اختتمت في الثامن من شهر سبتمبر أيلول الجاري فعاليات الدورة السادسة لتظاهرة أثر الفراشة في مدينة قابس عدت منها إلى تونس وكلي يقين بأن الفراشة تلد ما يجيء بعدها تولد فيتفتح معها كل شيء رسمت هذه التظاهرة ملامحها على النقيض من ملامح المهرجانات بعد أن جرى ابتذال المهرجان كفكرة أصبحت المهرجانات العربية في معظمها بهرجانات احتفالات هوجاء بغاية إغراق السؤال والمعنى في البهرج المعمي والصخب المنتج للصمم والبكمة هنا وهناك قلائل صامدون حول القيمة من بينهم عناصر فريق أثر الفراشة تظاهرة تدافع عن حقها في الحلم بالحرية والفرح احتفالية تحترم عقول جمهورها وتضحك بفطنة وترقص بذكاء الرقص الذي اكتشفنا عمقه في ثقافتنا الشعبية أحببنا نزقه مع زوربا عرفنا صلته بتحريك الفكر ونحن نسمع نيتشه يقول لنا إنه لا بد من أن نتعلم الفكر كما نتعلم الرقص وإنه لا بد من أن يعرف المرء كيف يرقص برجليه وبالأفكار وبالكلمات أثر الفراشة واحدة من بين هذه التظاهرات المعنية بالمعنى البهيج والثقافة المقاومة تفتقت عنها قرائح قابسية مدت جذورها من جنوب تونس إلى شمالها ومن شرقها إلى غربها ثم رفرفت بأجنحتها على البلاد العربية مانحة الأولوية للشعر داعية إلى رحابه مختلف الفنون بما في ذلك الأغنية مفسحة المجال في الأغلب للمغنين الشعراء الذين يكتبون نصوص أغانيهم تظاهرة صنعت الفارق تأسيسا على خيال مفارق وعلى أفكار وقيم وسلوكات نابعة من ثقافة شعبها مستمدة من إيطيقا العمل المدني التطوع الشراكة التقاسم الوفاء وخاصة إنصاف الأحياء الأحياء الذين اعتدنا ألا يقدم منهم إلا نجوم السوق أما الآخرون الذين سماهم سكاليزي السواعد العارية فنادرا ما نلتفت إليهم وكثيرا ما نراهم يرددون بيت علي الدوعاجي عاش يتمنى في عنبة مات جابوا له عنقود أثر الفراشة فريق وليس إدارة مبدعون متطوعون لا علاقة لهم بالربح أو بالتكسب تظاهرة تحتفل بالمعنى بعيدا عن الأطر الرسمية فرصة للحب والإبداع بعيدا عن المهرجانات التي تغرق المعنى في البهرج والصخب زمن يصنع شعبه من مبدعيه ويضيء وعيه من إبداعهم رفة جناح تخترع ريشها من شوقها إلى الطيران لذلك نرى أثرها حيثما التفتنا تلد الفراشة ما يجيء تبتكر ما يأتي لا تمر على مكان إلا كان إلا انفجر ألوانا لا تمر على كائن إلا أصبح ابنتها أو ابنها حتى الشاعرات والشعراء خاصة الشاعرات والشعراء يكفي أن نرى بناتنا وأبناءنا يزرعون الأمل في اليأس فيزهر يغمسون أكفهم في طين الألم والتراجيديا فيطلعون بأعاجيب من موسيقى الفرح المقاوم يكفي أن نراهم في كل مدينة وقرية وجبل وصحراء يقاومون توحش الطبيعة والإنسان يغنون تحت القصف ويرقصون فوق الركام كي لا يشمت فينا أعداء الحياة كأن السنابل التي تتحرك في قابس من أثر الجناح الذي يرف في غزة لذلك نصدق محمود درويش حين يكتب أثر الفراشة لا يزول لكننا نستدرك عليه استدراك المحبين لنقول هو ذا أثرها يرى عدت من قابس بخفة فراشة بأمل متجدد في إمكانية الفرح بنبع فياض يتفجر في كياني محملا برياح لواقح من الحس والمعنى عدت مصحوبا بوجوه باسمة وعيون صافية مشبعة بالمحبة سمعت منها وقرأت عبارات أسعدتني حتى التدوينات المحتفية بهذه المناسبة بلغت مرتبة النصوص الفارقة كلمات فاجأتني وأثرت في أيما تأثير يحلم بسماعها أمثالي لكنها نادرا ما تقال له إلا حين يموت هل نعطي غير الكلمات هل نأخذ معنا غير الكلمات كدت أجس نفسي في تلك اللحظات كي أتأكد من أني لم أمت بعد كي أستحق هذا التكريم الذي لا يستحقه الكاتب العربي عادة إلا بعد منام عينيه شكرا قابس شكرا فريق أثر الفراشة شكرا صديقاتي وأصدقائي وزميلاتي وزملائي من أهل الشعر والفكر والموسيقى والمسرح والسينما والفنون التشكيلية والإعلام عشاق الإبداع الصامدين في هذه المرحلة العاصفة أسعدتم قلبي العنيد وأسندتم ظهري المعاند أثبتم كم نحن قادرون على الحب والعطاء في زمن طبعه خطاب الكراهية والحسد والنفاق والكيد والشماتة والنكاية والعنف والتوحش اجترحتم ما يشبه المعجزة معجزة الفراشة أنها تصنع الفرح من الجرح الفاغر وتبتكر الألم من الألم الممض حتى إنها تذهب إلى الموت مبتهجة بالحياة وتمارس طقس الحداد راقصة في ملابس عرسها