بعد أقل من شهر تختتم عملية طوفان الأقصى وحرب المشاغلة التي أعلنها حزب الله على إثرها وتداعياتهما عامهما الأول وتكون السلطة في لبنان قد استنفدت حوالي سنة إضافية من عمر تبرير كل ما مارسته أو بالأحرى ما لم تمارسه من مجال مسؤولياتها في الاهتمام بالبلاد والعباد ومن التنصل من كل المسؤوليات التي تقع على عاتقها بل هي تمارس هواياتها في المماطلة إذ تحاول الطبقة اللبنانية الحاكمة من خلالها الإمعان في شراء الوقت وتحريف الأنظار عن خمسة أعوام مرت على الانهيار المستمر منذ العام 2019 من دون أن تقوم جديا بالتصدي أو بمعالجة أي من المشكلات التي كانت نتيجة استباحتها القوانين والسلطة والمال والأملاك العامة وغياب المحاسبة وتأجيل الاستحقاقات الدستورية وهيمنة حكم المليشيا ففي السنة الأخيرة من عمر الانهيار ازداد الطين بلة جراء الحرب المندلعة التي يعيش اللبنانيون تداعياتها وإن لم تكن تحت تسمية الحرب بالمعنى الكلاسيكي والمتعارف عليه أو الحرب بين دولتين فالمشكلة ليست في الكلام أو التوصيفات ولا في العناوين ولا في الوعود الفارغة والمستمرة لحزب الله ومن خلفه المحور الإيراني بإزالة العدو بل في المجازفة والمخاطرة بمصير اللبنانيين وبحيواتهم وبمستقبل أبنائهم وأمنهم الشخصي وبأرزاقهم من دون أي أهداف واضحة معلنة ولا أفق سوى حرب مشاغلة مبنية على شعور فائض القوة على الرغم من أنها لم تستطع أن تشغل العدو عن جرائمه ولا أن تقدم أو تؤخر في وحشيته بحق الفلسطينيين في غزة واليوم في الضفة الغربية بالتالي يمر هذا العام على وقع الحرب والإمعان في الانهيار إذ بات اللبنانيون عموما والجنوبيون بالأخص يعيشون أسوأ أيام حياتهم بمعزل عما إذا كانوا يعيشون تحت وابل القذائف والغارات الوهمية منها والحقيقية أم لا أو إذا كانوا يعيشون تحت وطأة الانهيار وغلاء المعيشة والخطر الداهم عنهما جراء ندرة الأشغال والقضاء على ما تبقى من فرص ناهيك عن اتساع رقعة الحرب وتداعياتها ها هم يعيشون وكأن كل يوم سكرة جديدة من سكرات الموت الأخير وجزء لا يستهان به حسم أمره وقرر الهجرة وهو يعمل على الأمر على قدم وساق لأن الصبر الذي التزموا بممارسته خلال هذه السنوات الخمس نفد ومن الواضح أن الشريعة الوحيدة المتبقية هي استكمال الانهيار بالترافق مع الحرب مع ما يصاحبه من شريعة غاب لبنانيون كثيرون جنوبيون بالأخص فقدوا ما تبقى من أشغالهم وأرزاقهم ومنازلهم وذكرياتهم فوق هذه وتلك بات الجنوبيون خصوصا يرزحون تحت انهيار داخل الانهيار فبعد أن سرقت أموالهم وودائعهم مع مجمل أموال اللبنانيين وودائعهم وبعد أن أصبحت رواتب من يعمل منهم في القطاع العام وحتى في الخاص لا تسد رمق العيش باتوا اليوم نازحين يرزحون تحت وابل الإيجارات المرتفعة وتكاليف تعليم أولادهم وتأمين الأشغال الجديدة لأنفسهم وتكريس كل ما يعبد الطريق أمام طرق كل أبواب العوز فلا خطط واضحة في أفق السلطة ولا في أفق حزب الله بوصفه سلطة فوق السلطة ولا أي بارقة لقرب انتهاء الحرب ولا رئيس للجمهورية كان قد شغر موقعه منذ سنوات ولا حكومة أصيلة ولا خطة إنقاذ أو إصلاح طالبت بها كل أمم الأرض العربية منها قبل الغربية لعلها تسمح لهم بالمساهمة في انتشال لبنان ولا خطط تربوية واضحة وناجعة لتعليم أبناء الناس إلخ بل أصبح شغل اللبنانيين الشاغل تأمين قوت اليوم وتأجيل قوت الغد إلى الغد إذ لا أحد من اللبنانيين يعلم ما الذي سيصحون عليه في اليوم التالي أو بالأحرى إن كانوا سيصحون أم لا هل ستتوسع الحرب هل ستتحول الإبادة إلى لبنان لا أحد يملك الإجابة الشافية لكي يبني على الشيء مقتضاه بل بات الرهان يتكدس فوق الرهان والخطر فوق الخطر والضياع فوق الضياع تمر السنة فيرى لبنانيون كثيرون جنوبيون بالأخص أنهم فقدوا ما تبقى من أشغالهم وأرزاقهم ومنازلهم وذكرياتهم وباتت الأمكنة فارغة مما كان يملؤها فيتسلحون بهذا الوجه المستقيم الذي لا ملامح لملامحه خصوصا أن الأرقام المتوفرة للدولية للمعلومات والصادرة عن مجلس الجنوب حتى العشرية الثالثة من شهر أغسطس آب 2024 تفيد بأن 1940 منزلا مدمرة دمارا كليا وأن حوالي 1700 منزلا مدمرة دمارا كبيرا ناهيك عن تلك المنازل والأرزاق المتضررة بأشكال مختلفة جراء الاعتداءات الاسرائيلية السوداوية هي ما جبل اللبنانيون عليه منذ عقود في ظل طبقة حاكمة لا تهتم إلا بمصالحها وباستباحة كل مفاصل الدولة وبالنسبة للنازحين يذكر مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية في تقرير نشرته صحيفة النهار اللبنانية أن أعداد الجنوبيين منهم بلغت 111 ألفا و940 نازحا حتى أوائل سبتمبر أيلول الجاري أما العدد الآخر فهو صادر عن مجلس الجنوب ونقلته الدولية للمعلومات ويتخطى 145 ألفا بعد أن ضم النازحين من ضاحية بيروت الجنوبية كما أن حوالي 133 مدنيا على الأقل لقوا حتفهم منذ أكتوبر تشرين الأول 2023 أما العدد الإجمالي للإصابات فبلغ 2412 منهم 564 حالة وفاة قد يظن بعضهم أن السرد أعلاه سوداوية تعابير بلاغية لكن هذا أقل من واقع الحال إذ لا مجال لنقل مأساوية المشهد بدقة خصوصا أن السوداوية هي ما جبل اللبنانيون عليه منذ عقود في ظل طبقة حاكمة لا تهتم إلا بمصالحها وباستباحة كل مفاصل الدولة وبالتنصل من كل مسؤولية تجاه الداخل والخارج معا قبل أن تتحول نوعية الانسداد التي خلقتها إلى قفزات كمية وفق انهيار رسمي معلن منذ عام 2019 وصولا إلى هذا الظلام الدامس والمستقبل المضرج من كل الاتجاهات